بات مغني الهيب هوب السوري عمر غراب يحتل مكانة كبيرة في مشهد موسيقى الراب في برلين. عروضه الموسيقية لم تعد حبيسة الجدران كما كان الحال سابقا في وطنه سوريا، بل أضحت اليوم طليقة تستقطب الكثير من عشاق هذه الموسيقى.
"أنا فنان الهيب الهوب ولست فنان الراب"، بهذه الجملة القصيرة أراد الفنان السوري عمر الغراب البالغ من العمر 27 ربيعا أن يوضح لنا معنى المصطلحات الفنية في عالم الموسيقى الغربية العصرية المتفشية لدى الكثير من الشباب في مختلف دول المعمورة. ثم انطلق موضحا:" فنان الهيب هوب هو من يقوم بكتابة النص وتلحينه ثم إلقائه أمام الجمهور على خشبة المسرح".يعيش الفنان السوري ذي الشعر الكثيف في العاصمة الألمانية برلين منذ قدومه إليها قبل حوالي 3 سنوات كما يقول. وقرر الشاب الحلبي ترك سوريا لما شاهده في مدينته حلب من قتل ودمار. وقبل أن يصل إلى ألمانيا مر الحلبي العشريني بمحطات عديدة. ابتداء بالقاهرة فالخرطوم فبيروت ليحط برحاله في مدينة برلين.
في برلين كسر القيود
وهنا في هذه المدينة شعر عمر بالحرية فانطلق يدون كلمات أغانيه بدون خوف مسميا الأشياء بمسمياتها، على عكس ما كان عليه الحال في سوريا سابقا، حيث الرقابة واليد الحديدية. وفي هذا الصدد قال لنا مبتسما مرتشفا قليلا من الشاي:"كلمات الأغاني التي دونتها في سوريا قبل الثورة وإن كانت ضد النظام ورأس النظام والقمع والدكتاتورية والفساد والمحسوبية ... لم أقدم على ذكر إسم الرئيس أو أتباعه تحسبا لبطش النظام، إنه لا يعرف الرحمة. "أما اليوم وهو يتمتع بفضاء الحرية في المهجر الألماني كما يقول، فقد بات يضع عمر النقاط على الحرف وبكل حرية،و تابع حديثه قائلا:" كلماتي أضحت اليوم تسمي الأشياء بمسمياتها. أوجه سخطي وجم غضبي إلى النظام في وطني الذي دمر الحجر والبشر ولاسيما مدينتي حلب التي ترعرعت فيها. اليوم أذكر الأسماء وأقول ما في جوارحي".
هيب هوب بلغة الضاد يستقطب الجمهور الألماني
يسلط عمر الضوء في أغانيه على الحرب التي تأكل الأخضر واليابس في وطنه كما أن الظلم والبطش السائدين في وطنه، كما يقول يحتلان فضاء هاما في أغانيه المتمردة على النظام في سوريا. "يد البطش وتهجير الملايين من السوريين من مدنهم وقراهم وحقوق الإنسان السوري وتغاضي العالم عن القضية السورية ودعمها للأسد كلها تدور في فلك أعمالي الفنية". صعوبات السوريين في ألمانيا لدى الإدارة الألمانية أو في الحياة الاجتماعية يجدها المرء حاضرة بقوة في أغانيه الصاخبة التي تدك فضاءات ملاهي الموسيقى الليلية في برلين.
مارفين ليمان شاب عشريني من سكان برلين مولع بموسيقى الهيب هوب. اليوم يكتشف نفس الإيقاع الموسيقى لكن باللغة العربية التي لا يفهمها: "لقد اكتشفت موسيقى الهيب هوب بالعربية في ملاهي ليلية في برلين والذي أعجبني فيها الحروف التي لا نجدها في الأبجدية الألمانية. تبدو لي الكلمات قوية مدوية تحمل الغضب في طياتها متناغمة مع موسقى الراب المتمردة". بالحروف كان يعني مارفين حروف قافية النص الشعري الذي ينتهي بالقاف أو العين أو الحاء ..."ثم يضيف الشاب الأشقر يقول بأنه يزور عروض عمر الفنية بانتظام رفقة أصدقائه من السورين والألمان، نظرا للأنغام الموسيقية والأجواء السائدة في فضاء النادي الليلي.
ساندرا هنكس الشابة البالغة من العمر 19 ربيعا من عشاق موسيقى الهيب هوب. وحول موسيقى الهيب هوب باللغة العربية في ناديها البرليني المفضل "كولتور هاوس كيلي" تقول الشابة بابتسامة وشحت محياها: "موسيقى عمر غراب رائعة أتجاوب معها رقصا بسلاسة. تبدو لي غريبة لغويا لكن إيقاعها جميل وحيوي غير روتيني. اللغة العربية لا تزعجني إطلاقا إنها جميلة".
وتستمر الشابة الألمانية تقول بأن بعض فرق الراب السوري الناجحة في برلين تمثل إضافة إيجابية في عالم موسيقى الراب في برلين خصوصا وألمانيا عموما. وترى أن فناني الراب السوريين تمكنوا من فرض أ نفسهم في نوادي الموسيقى الليلية. هذا ما أكده أيضا السيد ميشائيل براند من ملهي "دار شبايشر" المتواجد في الشق الشرقي من المدينة، في مستهل كلامه، حيث قال:"إن كثافة الحضور في النوادي الليلية التي تقوم بعرض موسيقى الراب للفنانين السوريين يدل على نجاح هؤلاء الشباب مثل الفنان أبو حجر وعمر غراب". ويتابع السيد براند يقول بأن الجمهور الألماني والعربي على حد سواء يتفاعل بكل حماس أثناء العروض وحول عامل اللغة يضيف: "لاحظنا أن اللغة العربية المستعملة في نصوص الأغاني لا تمثل أي عائق لدى الجمهور البرليني بل العكس صحيح."
من أجل الحرية والإنعتاق
" أنا أستمع إلى أغاني عمر غراب بكل شغف. تعجبني إلى جانب الإيقاعات الموسيقة تلك الكلمات المدوية التي هي عبارة عن أسهم قاتلة موجهة لكل ظالم مستبد". هكذا استهل الشاب السوري بلال كلامه معنا حول إعجابه بأغاني عمر غراب. ويقول الشاب السوري بأن كلمات عمر تستهدف النظام بعينه وتحمله مسؤولية تدمير وتهجير البلاد، كما أن الحانه الموسيقية المتناغمة مع كلماته المتمردة تعكس شعوره إزاء وطنه وما يعيشه كل سوري سواء في الداخل أو في الخارح. وحول إقبال السوريين على موسيقى الراب السورية في المهجر الألماني، يقول لنا بلال بأن كثر هم من السوريين الذين يتحولون إلى عروض وحفلات فنان الهيب هوب غراب. هذا ما أشار إليه هذا الأخير في حديثنا المطول معه، حيث قال:" الكثير من النوادي الليلية ترحب بعروضنا الموسيقية، لقد لا حظوا أن حضورنا مرتبط دوما بجمهور سوري كبير".
ثم يضيف عمر مغمضا عينه اليسرى التي أزعجها دخان سجارته المتصاعد بكثافة: "الجمهور السوري لا يقتصر على الشباب فقط بل يطال أيضا الشابات السوريات المولعات بموسيقى الراب بلهجة حلبية". أغاني عمر غراب كما يقول، تحمل رسائل إلى أصحاب القرار في سوريا ويحاول بكلماته المعبرة والثاقبة تجريد النظام أمام أعين العالم وتذكير أبناء جلدته من السوريين بما يجد في وطنهم الممزق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق